الأحد، 22 فبراير 2009

التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة ::: تأليف الشيخ العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر

التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة
تأليف
الشيخ العلامة
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
الناشر
:
الدار الحديثة مصر
الطبعة الأولى
1425هـ -2004م
ص
-3-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالَمين،
وصلى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعد
:فقد اطَّلعتُ على المقال المنشور
في
(صحيفة المدينة ـ ملحق الرسالة)،

الصادرة الجمعة 18 المحرم 1424هـ،
للدكتور
:
عمر كامل،
بعنوان
:
"لا خوف على بلاد الحرمين من الشرك والوثنية،
وهل في إحياء آثار النبوة ومواطئ الرسالة ما يدعو إلى التخوف من الشرك؟
وهل الاهتمام بتلك الآثار يؤدِّي بالضرورة إلى عبادتها من دون الله؟"
وتعقيباً على هذا المقال
أقول
:
اشتمل مقالُه على تقرير أنَّ الشركَ لا يعود إلى مهد الإسلام،
وأنَّ الإسلامَ يأرز إلى المدينة والحجاز،
وتتبعِ ابن عمر لآثار الرسول صلى الله عليه وسلم،
وذِكرِ آثار فيها إباحة التبرك بقبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومنبره
.
أمَّا ما قرَّره من أنَّ الشركَ لا يعود إلى مهد الإسلام،
فقد
قال
:
"بعد أن انتشر الدينُ الإسلامي في أرجاء المعمورة ودخل الناس في دين الله أفواجاً،
تكفَّل الله بحفظ مهد رسالة الإسلام من عودة الكفر والوثنية والشرك إليها، وبشرنا بذلك على لسان مبلِّغ الرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
عن جابر
قال
:
سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:
"إنَّ الشيطان قد أيِسَ من أن يعبده المصلُّون في جزيرة العرب،
ولكن في التحريش بينهم" [صحيح مسلم 4/2166: 2812] "
، ثم ذكر حديثاً عند الترمذي (2159) في خطبة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم الحج الأكبر، وفيه:

"ألا وإنَّ الشيطانَ قد أيس من أن يُعبد في بلادكم هذه أبداً،
ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم،
فسيرضى به"
، ثم قال بعد ذلك
:
"ومع ذلك فبين الفينة والأخرى يخرج علينا خارجٌ يدَّعي الغيرة على دين الله والخوف على بلاد الحرمين
من عودة الشرك إليها!!!
ولعلَّ أمثال هؤلاء قد غفلوا عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوضح لنا مصدر الخوف الذي كان يخافه على أمته، عن عبادة بن نسي قال: دخلت على شدَّاد بن أوس رضي الله عنه في مصلاه وهو يبكي، فقلت: يا أبا عبد الرحمن ما الذي أبكاك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: وما هو؟ قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رأيت بوجهه أمراً ساءني، فقلت: بأبي وأمِّي يا رسول الله، ما الذي أرى بوجهك؟ قال: أمر أتخوَّفه على أمتي من بعدي، قلت: وما هو؟ قال: الشرك وشهوة خفية، قال: قلت: يا رسول الله، أتشرك أمَّتُك من بعدك؟ قال: يا شدَّاد، أما ص -6- إنَّهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً ولا حجراً، ولكن يُراؤون الناسَ بأعمالهم، قلت: يا رسول الله، الرياء شرك هو؟ قال: نعم، قلت: فما الشهوة الخفية؟ قال: يصبح أحدُكم صائماً فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيفطر. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. [المستدرك على الصحيحين 4/366 ـ 7940]، فهل هناك أوضح من هذا البيان؟ فقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوع الشرك وعبادة الأوثان والأحجار من بعده، وكلُّ ما خاف منه هو الرياء، فهل نصدِّق رسول الله أم نركن إلى إرجاف المرجفين وأوهام المتنطعين؟!"والجواب: أنَّ حديث شدَّاد بن أوس رضي الله عنه غيرُ صحيح؛ لأنَّ في إسناده عبد الواحد بن زيد، وقد قال فيه الذهبي في تلخيص المستدرك متعقِّباً تصحيح الحاكم: "عبد الواحد متروك"، والمتروك ص -7- لا يُحتجُّ بروايته، وقال الذهبي في ترجمته في الميزان: "روى عباس عن يحيى: ليس بشيء، وقال البخاري: عبد الواحد صاحب الحسن: تركوه، وقال الجوزجاني: سيِّء المذهب، ليس من معادن الصدق"وأمَّا حديث جابر الذي أخرجه مسلم في صحيحه في إياس الشيطان من أن يُعبَد في جزيرة العرب، فليس فيه دليل على عدم عودة الكفر والشرك إلى الجزيرة، وذلك لثبوت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ومنها حديث أبي هريرة في صحيح مسلم (2906) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة"، وكانت صنَماً تعبدُها دوسٌ في الجاهلية بتبالة، ومنها حديث عائشة في صحيح مسلم (2907) قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يذهبُ الليل والنهار حتى تُعبَد ص -8- اللاَّت والعُزَّى" الحديث، ومنها حديث أنس، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من بلد إلاَّ سيطؤه الدَّجَّال إلاَّ مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقبٌ إلاَّ عليه الملائكة صافِّين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رَجَفات، فيخرج الله كلَّ كافر ومنافق" رواه البخاري (1881)، ومسلم (2943)، فهذه أحاديث صحيحة محكمة تدلُّ على عودة الشرك والكفر إلى الجزيرة بعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومِمَّا يوضح ذلك أنَّ بعضَ العرب ارتدُّوا بعد وفاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فرجع أكثرُهم، وقتل بعضهم على ردَّته، وهؤلاء هم الذين عُنوا في حديث الذيادة عن الحوض، وقال عنهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أصحابي"، فقيل له:"إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك) أخرجه البخاري (6582).ويُجمع بين هذه الأحاديث وحديث جابر في ص -9- إياس الشيطان من أن يُعبد في جزيرة العرب من وجهين:أحدهما: بحمل حديث جابر على نفي عودة الجميع إلى الشرك دون البعض، فإنَّه يقع منهم.الثاني: أنَّ إياس الشيطان من عبادته في جزيرة العرب هو ظنٌّ من الشيطان، وهو لا يعلم الغيب، كما أخبر الله عن الجنِّ في قوله: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}، وقال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}، وقد ذكر هذه الأجوبة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين في إجابته على سؤال عن ثلاثة أحاديث، هذا أحدها (ص:35 ـ 36).وأمَّا أحاديث كون الإيمان يأرز إلى المدينة وإلى ص -10- الحجاز، فهي لا تنافي الأحاديث الصحيحة الدَّالَّة عل عودة الشرك إلى الجزيرة.وأمَّا الآثار التي أوردها الكاتب في تتبُّع آثار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم المكانية، فهي عن ابن عمر رضي الله عنه، وهذا مشهور عنه، والمشهور عن الخلفاء الراشدين وغيرهم خلاف ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/278 ـ 279): "فأمَّا قصدُ الصلاة في تلك البقاع التي صلَّى فيها اتفاقاً، فهذا لم يُنقل عن غير ابن عمر من الصحابة، بل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حُجَّاجاً وعُمَّاراً ومسافرين، ولَم يُنقل عن أحد منهم أنَّه تحرَّى الصلاة في مصلَّيات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنَّ هذا لو كان عندهم مستحبًّا لكانوا إليه أسبقَ؛ فإنَّهم أعلمُ بسنَّته وأتبعُ لها من ص -11- غيرهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة"، وتَحرِّي هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين، بل هو مِمَّا ابتُدع، وقول الصحابي إذا خالفه نظيره ليس بحجة، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة؟! أيضاً فإنَّ تحرِّي الصلاة فيها ذريعةٌ إلى اتِّخاذها مساجد، والتشبُّه بأهل الكتاب مِمَّا نُهينا عن التشبه بهم فيه، وذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والشارعُ قد حسَم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، فإذا كان قد نهي عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان سدًّا للذريعة، فكيف يُستحبُّ قصد الصلاة والدعاء في مكان اتفق قيامهم فيه، أو صلاتهم فيه ص -12- ، من غير أن يكونوا قد قصدوه للصلاة فيه والدعاء فيه؟!"أقول: بل إنَّ عمر رضي الله عنه نهى عن ذلك، فعن المعرور بن سويد قال: "كنت مع عمر بين مكة والمدينة، فصلى بنا الفجر فقرأ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} و{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ}، ثمَّ رأى قوماً ينزلون فيُصلُّون في مسجد فسأل عنهم، فقالوا: مسجد صلَّى فيه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّما هلك مَن كان قبلكم أنَّهم اتخذوا آثار أنبيائهم بيَعا، مَن مرَّ بشيء من المساجد فحضرت الصلاة فليُصلِّ، وإلاَّ فليمض" رواه عبد الرزاق (2/118 ـ 119) وابن أبي شيبة (2/376 ـ 377) بإسناد صحيح، قال شيخ الإسلام معلِّقاً على هذا الأثر: "فلمَّا كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصَه بالصلاة فيه، بل صلَّى فيه لأنَّه موضع نزوله، رأى عمر أنَّ ص -13- مشاركتَه في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبِّه بالنَبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصورة، ومتشبِّه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب" مجموع الفتاوى (1/281)( ).وأمَّا الآثار في التبرُّك بالقبر والمنبر، فإنَّ ما جاء من آثار في التبرُّك بالمنبر إنَّما كان في منبره الذي كان يجلس عليه، والرمانة التي يضع يده عليها، وهو تبرُّك بما لاَمَسَه جسدُه صلى الله عليه وسلم، وهذا سائغ؛ فإنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم كانوا يتبرَّكون بشعره وعرقه ومخاطه وبصاقه وغير ذلك مِمَّا ثبت في ص -14- الأحاديث الصحيحة، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك يُحمل ما جاء عن الإمام أحمد في ذلك، وفي التبرُّك بشعرة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وقصعته إن صحَّ ذلك عنه، وكذلك ما جاء عن غيره في منبره صلى الله عليه وسلم، وقد احترق المنبر، فلم يكن هناك مجال للتبرُّك بشيء مسَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاء (2/244 ـ 245)، وقال: "فقد رخَّص أحمد وغيرُه في التمسح بالمنبر والرمانة، التي هي موضع مقعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ويده، ولَم يرخِّصوا في التمسح بقبره"، وقال الإمام النووي في المجموع شرح المهذب (8/206): "لا يجوز أن يُطاف بقبره صلى الله عليه وسلم، ويُكره إلصاق الظَّهر والبطن بجدار القبر، قاله أبو عبيد الله الحليمي وغيره، قالوا: ويُكره مسحُه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يَبعد منه كما يَبعد منه لو حضره في حياته صلى الله عليه وسلم، هذا ص -15- هو الصواب الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه، ولا يغتر بمخالفة كثير من العوام وفعلهم ذلك؛ فإنَّ الاقتداءَ والعملَ إنَّما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء، ولا يُلتفت إلى محدثات العوام وغيرهم وجهالاتهم، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتكم تبلغني حيثما كنتم" رواه أبو داود بإسناد صحيح، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله ما معناه: "اتبع طريق الهدى ولا يضرك قلَّة السالكين، وإيَّاك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين"، ومَن خطر بباله أنَّ المسحَ باليد ونحوه أبلغ في البركة، فهو من ص -16- جهالته وغفلته؛ لأنَّ البركة فيما وافق الشرع، وكيف يُبتغى الفضل في مخالفة الصواب".وآثار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:الأول: الآثار المروية، وهي حديثه وسنَّتُه صلى الله عليه وسلم، فهذا القسم تجب المحافظة عليه؛ لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي" الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" الحديث، رواه البخاري ومسلم.الثاني: الآثار المكانية، وهذا القسم يؤخذ منه بما ثبتت به السنَّة، كالصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم وفي مسجد قباء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُشدُّ الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى" رواه البخاري (1189) ومسلم ص -17- (1397)، واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلاَّ المسجد الحرام" رواه البخاري (1190) ومسلم (1394) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في مسجد قباء كعمرة" رواه الترمذي (324) وابن ماجه (1411) عن أسيد بن ظهير رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وقوله صلي الله عليه وسلم: "من تطهَّر في بيته، ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاةً، كان له كأجر عمرة" رواه ابن ماجه (1412) عن سهل بن حنيف رضي الله عنه، و"كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كلَّ سبت ماشياً وراكباً فيصلي فيه ركعتين" رواه البخاري (1193) ومسلم (1399) عن ابن عمر رضي الله عنهما.وأمَّا المساجد والأماكن التي لَم ترِد فيها سُنَّةٌ ص -18- عن الرسول صلى الله عليه وسلم فتُترك ولا تُقصَد، وهو الذي يُفيده نهيُ عمر رضي الله عنه عن قصد الصلاة في المسجد الذي بين مكة والمدينة، كما في الأثر الذي ذكرته عنه قريباً، وإنَّما جاء النهي عن التعلق بالآثار المكانية غير الشرعية؛ لأنَّه وسيلة إلى الشرك، كما هو واضح من كلام ابن تيمية الذي تقدَّم قريباً، وسدُّ الذرائع التي تؤدِّي إلى محذور أصلٌ من أصول الشريعة، ومقصَدٌ من مقاصدها، وقد أورد ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين (3/147) وما بعدها تسعة وتسعين دليلاً من أدلَّة سدِّ الذرائع، ومنها قوله في (ص:151): "الوجه الثالث عشر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور، ولَعَن مَن فعل ذلك، ونهى عن تجصيص القبور وتشريفها واتخاذها مساجد، وعن الصلاة إليها وعندها، وعن إيقاد المصابيح عليها، وأَمَرَ بتسويتها، ونهى عن ص -19- اتخاذها عيداً، وعن شدِّ الرحال إليها؛ لئلاَّ يكون ذلك ذريعةً إلى اتخاذها أوثاناً والإشراك بها، وحرم ذلك على من قصده ومن لم يقصده، بل قصد خلافَه سدًّا للذريعة"الثالث: الآثار الجسدية، والمراد بها ما مسَّه جسدُه صلى الله عليه وسلم، فهذه التبرُّك بها سائغ، وقد تقدَّم الكلام فيها قريباً، وقد ظفر بذلك الصحابة رضي الله عنهم، ومَن وصلَه شيءٌ منها من التابعين ومَن بعدهم، وبعد ذلك انقرضت، ولَم يكن لها وجود على الحقيقة، ولا مجال للتعلق بها.وتقدَّم أيضاً أنَّ هذا من خصائصه؛ لِمَا جعل الله فيه من البركة، وغيرُه صلى الله عليه وسلم لا يُقاس عليه، ولهذا لَم يفعل الصحابة رضي الله عنهم مثلَ ذلك مع خيارهم، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، لا في حياته ولا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وقد أشار ص -20- إلى هذا الإمام البخاري رحمه الله، حيث عقد "باب صبِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَضوءَه على مغمى عليه"، وساق الحديث (194) عن جابر رضي الله عنه قال: "جاء رسول الله يعودني وأنا مريض لا صلى الله عليه وسلم أعقل، فتوضَّأ وصبَّ عليَّ من وَضوئه، فعقلت، فقلت: يا رسول الله! لِمَن الميراث، إنَّما يرثني كلالة؟ فنزلت آية الفرائض"فتعبيره رحمه الله في الترجمة بـ "صبِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَضوءه على مغمى عليه" إشارة إلى أنَّه من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ولهذا لم يقل: باب صبِّ الإمام أو العالِم أو الكبير أو الزائر وَضوءه على مغمى عليه.وقد ذكر الشاطبي في كتاب الاعتصام (2/6): "أنَّه ثبت في الصحاح عن الصحابة رضي الله عنهم أنَّهم يتبرَّكون بأشياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري عن أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: خَرَج علينا ص -21- رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، فأُتي بوَضوئه فتوضَّأ، فجعل الناسُ يأخذون من فضل وَضوئه فيتمسَّحون به، الحديث، وفيه: كان إذا توضَّأ يقتتلون على وَضوئه، وعن المِسْوَر رضي الله عنه في حديث الحديبية: "وما انتخم النَّبيُّ صلى الع عليه وسلم نخامة إلاَّ وقعت في كفِّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلدَه""، ثم قال: "فالظاهر في مثل هذا النوع أن يكون مشروعاُ في حقِّ مَن ثبتت ولايته واتِّباعه لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يتبرَّك بفضل وَضوئه، ويتدلَّك بنخامته، ويُستشفى بآثاره كلِّها، ويُرجى نحو مِمَّا كان في آثار المتبوع الأصل صلى الله عليه وسلم"ثم ذكر أنَّ هذا الاحتمال لقياس غيره صلى الله عليه وسلم عليه في التبرُّك به عارضه أصلٌ مقطوع به، فقال: "إلاَّ أنَّه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه، مشكل في تنزيله، وهو أنَّ الصحابة رضي الله عنهم ص -22- بعد موته عليه السلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى مَن خَلفَه؛ إذ لَم يترك النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعده في أمَّته أفضلَ من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو كان خليفتَه، ولَم يُفعل به شيء من ذلك ولا عمر رضي الله عنهما، وهو كان أفضل الأمَّة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمَّة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أنَّ متبرِّكاً تبرَّك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فهذا إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء.وبقي النظر في وجه ترك ما تركوا منه، ويحتمل وجهين:أحدهما: أن يعتقدوا فيه الاختصاص، وأنَّ ص -23- مرتبة النبوة يسع فيها ذلك كله للقطع بوجود ما التمسوا من البركة والخير ... فصار هذا النوع مختصًّا به كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع، وإحلال بُضع الواهبة نفسها له، وعدم وجوب القسم على الزوجات وشبه ذلك، فعلى هذا المأخذ لا يصح لِمَن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومَن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة.الثاني: أن لا يعتقدوا الاختصاص، ولكنَّهم تركوا ذلك من باب الذرائع؛ خوفاً من أن يجعل ذلك سنة كما تقدَّم ذكره في اتباع الآثار والنهي عن ذلك، أو لأنَّ العامَّة لا تقتصر في ذلك على حدٍّ، بل تتجاوز فيه الحدود، وتبالغ بجهلها في التماس البركة حتى يداخلها للمتبرَّك به تعظيم يخرج به عن ص -24- الحدِّ، فربَّما اعتقد في التبرُّك به ما ليس فيه، وهذا التبرُّك هو أصل العبادة، ولأجله قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو كان أصلَ عبادة الأوثان في الأمم الخالية، حسبما ذكره أهل السير ..."ولا تأثير للشك بتنزيل المنع على أحد الوجهين المذكورَين؛ لأنَّ كلاًّ منهما مقتض ترك التبرُّك بغيره صلى الله عليه وسلم، وسواء عُلِّل التركُ بهذا أو بهذا فالنتيجة واحدة، وما أشار إليه الشاطبي رحمه الله من تقدُّم ما ذكره في اتِّباع الآثار والنهي عن ذلك تقدَّم ذكرُه عنده في (1/285).وقال: الإمام محمد بن وضاح القرطبي في كتابه البدع والنهي عنها (ص:91 ـ 92): "وكان مالك بن أنس وغيرُه من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما عدا ص -25- قباء وأُحداً، قال ابن وضاح: وسمعتهم يذكرون أنَّ سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلَّى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيرُه أيضاً مِمَّن يُقتدى به، وقدِم وكيعٌ أيضاً مسجد بيت المقدس فلَم يَعْدُ فِعْلَ سفيان، قال ابن وضاح: فعليكم بالإتباع لأئمَّة الهدى المعروفين، فقد قال بعضُ مَن مضى: كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكراً عند من مضى، ومتحبِّب إليه بما يبغضه عليه، ومتقرِّب إليه بما يُبعدُه منه، وكلُّ بدعة عليها زينة وبهجة"وقوله: "كلُّ بدعة عليها زينة وبهجة" يعني: أنَّ الشيطان يزيِّنها للناس حتى يقعوا فيها.وقال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/353 ـ 354) في بيان أنَّه لا يُتبرَّك بغيره صلي الله عليه وسلم قياساً عليه، قال: ص -26- "ولا شكَّ أنَّ هذا تبرُّك خاصٌّ بالنَّبيِّ صلي الله عليه وسلم ولا يُقاس عليه غيرُه لأمرين:الأول: ما جعله الله سبحانه في جسده وشعره من البركة التي لا يلحقه فيها غيرُه.الثاني: أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم لَم يفعلوا ذلك مع غيره، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من كبار الصحابة، ولو كان غيرُه يُقاس عليه لفعله الصحابةُ مع كبارهم الذين ثبت أنَّهم من أولياء الله المتَّقين، بشهادة النَّبيِّ صلي الله عليه وسلم لهم بالجنَّة )).وقال أيضاً رحمه الله تعليقاً على قول ابن حجر في فتح الباري (1/327): "وفي هذا الحديث من الفوائد ... وتحنيك المولود والتبرُّك بأهل الفضل"، قال: "هذا فيه نظر، والصواب أنَّ ذلك خاصٌّ بالنَّبيِّ صلي الله عليه وسلم ولا يُقاس عليه غيرُه؛ لِمَا جعل الله فيه من البركة وخصَّه به دون غيره، ولأنَّ الصحابةَ ص -27- رضي الله عنهم لَم يفعلوا ذلك مع غيره صلى الله عليه وسلم وهم أعلم الناس بالشرع، فوجب التأسِّي بهم، ولأنَّ جواز مثل هذا لغيره صلى الله عليه وسلم قد يُفضي إلى الشرك، فتنبَّه!".ومن الآثار السيِّئة للتعلُّق بالآثار والافتتان بمَن يُدَّعى فيهم الولاية وتعظيم أضرحتهم، ما ذكره عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروسي في كتابه النور السافر عن أخبار القرن العاشر، في ترجمة أبي بكر بن عبد الله العيدروس المتوفى سنة (914هـ)، قال في (ص: 79 ـ 80): "وأمَّا كراماته فكثيرة كقطر السحاب، لا تدرك بعَدٍّ ولا حساب، ولكن أذكر منها على سبيل الإجمال دون التفصيل، ثلاث حكايات تكون كالعنوان على باقيها بالدلالة والتمثيل، منها:أنَّه لَمَّا رجع من الحجِّ دخل زيلع، وكان الحاكم ص -28- بها يومئذ محمد بن عتيق، فاتفق أنَّه ماتت أمُّ ولد للحاكم المذكور، وكان مشغوفاً بها، فكاد عقلُه يذهب بموتِها، فدخل عليه سيدي لما بلغه عنه من شدَّة الجزع؛ ليُعزِّيه ويأمره بالصبر والرضاء بالقضاء، وهي مُسجاة بين يدي الحاكم بثوبٍ، فعزَّاه وصبَّره، فلَم يُفِد فيه ذلك، وأكبَّ على قدم سيِّدي الشيخ يُقبِّلُها، وقال: يا سيدي! إن لَم يُحيي الله هذه متُّ أنا أيضاً، ولَم تبق لي عقيدة في أحد، فكشف سيِّدي وجهَها، وناداها باسمِها، فأجابته: لبَّيك! وردَّ اللهُ روحَها، وخرج الحاضرون، ولَم يَخرج سيدي الشيخ حتى أكلتْ مع سيِّدها الهريسةَ، وعاشت مدَّة طويلة!!!وعن الأمير مرجان أنَّه قال: كنتُ في نفرٍ من أصحاب لي في محطَّة صنعاء الأولى، فحمل علينا العدوُّ، فتفرَّق عنِّي أصحابي، وسقط بي فرسي ص -29- لكثرة ما أُثخن من الجراحات، فدار بِي العدوُّ حينئذٍ من كلِّ جانب، فهتفتُ بالصالِحين، ثمَّ ذكرتُ الشيخ أبا بكر رضي الله عنه، وهتفتُ به، فإذا هو قائمٌ، فو الله العظيم! لقد رأيتُه نهاراً وعاينتُه جهاراً، أخذ بناصيتِي وناصية فرسي، وشلَّنِي من بينهم حتى أوصَلَنِي المحطة، فحينئذ مات الفرس، ونجوتُ أنا ببَرَكتِه رضي الله عنه ونفع به!!!وعن المُريد الصادق نعمان بن محمد المهدي أنَّه قال: بينما نحن سائرون في سفينةٍ إلى الهند، إذ وقع فيها خرقٌ عظيمٌ، فأيقَنوا بالهلاك، وضجَّ كلٌّ بالدعاء والتضرُّع إلى الله تعالى، وهتف كلٌّ بشيخِه، وهتفتُ أنا بشيخي أبي بكر العيدروس رضي الله عنه، فأخذتنِي سِنَة، فرأيتُه داخل السفينة، وبيده منديلٌ أبيض، وهو قاصدٌ نحو الخَرْق، فانتبهتُ فرحاً مسروراً، وناديتُ بأعلى صوتِي: أنْ أَبشِروا يا أهل السفينة ص -30- ! فقد جاء الفرَج، فقالوا: ماذا رأيتَ؟ فأخبرتُهم، فتفقَّدوا الخَرْقَ، فوجدوه مسدوداً بمنديل أبيض كما رأيتُ، فنجونا ببركته رضي الله عنه ونفع به" اهـ.ومن المفتونين بالآثار المكانية غير المشروعة والدعوة إلى المحافظة عليها الأستاذ يوسف هاشم الرفاعي من الكويت، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي من الشام، فقد سوَّد الأول أوراقاً زعمها نصيحة لعلماء نجد، دعا فيها إلى كثير من أنواع البدع والضلال، ومنها الدعوة إلى المحافظة على الآثار المكانية غير المشروعة، وقدَّم الثاني للنصيحة المزعومة بمقدمة طويلة، أيَّده على ما فيها من أنواع البدع والضلال، وقد كتبت ردًّا عليهما صدر في عام (1421هـ) بعنوان: "الردُّ على الرفاعي والبوطي في كذبهما على أهل السنة ص -31- ودعوتهما إلى البدع والضلال"، وقد جاء في آخر هذا الردِّ ما يلي:للكاتب شغفٌ عظيمٌ بالآثار المكانية التي تُنسبُ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كمكان مولِده صلى الله عليه وسلم، والبئر التي سقط فيها خاتَمُه صلى الله عليه وسلم، ومكان مَبرك ناقته صلى الله عليه وسلم في قباء عند قدومِه في هجرتِه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وغير ذلك.ويَعتِب بشدَّة على مَن زعم نُصحَهم؛ لعدمِ الاهتمامِ بذلك والمحافظةِ عليه، ويستدلُّ للمحافظة على مثل هذه الآثار بقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}، وبِما جاء في قصَّة طالوت: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}قال: "وقال المفسِّرون: إنَّ البقيَّةَ المذكورة هي ص -32- عَصاة موسى ونعليه (كذا) و... إلخ".وبالإشارةِ إلى الأحاديث الصحيحة الواردة فيما يتعلَّق بآثار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم واهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بها المذكورة في ثنايا أبواب صحيح البخاري.والجواب عن الدليل الأول: أنَّ اتِّخاذ مقام إبراهيم مُصلَّى دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة، ولا دلالة فيه للكاتب على المحافظة على الآثار التي ذكرها؛ لأنَّ الآيةَ في اتِّخاذ المقام مصلَّى، ولا يصحُّ القياس عليه.وأيضاً فإنَّ اتِّخاذ المقام مصلَّى مِمَّا أشار به على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه فنزلت الآيةُ في ذلك.وعمرُ رضي الله عنه هو الذي جاء عنه المنعُ من التعلُّق بمثلِ هذه الآثار؛ لأنَّه هو الذي أَمر بقطع الشجرة ص -33- التي حصلت تحتها بيعةُ الرِّضوان، ولأنَّه جاء في الأثر عن المعرور بن سُويد قال: "كنتُ مع عمر بين مكة والمدينة، فصلَّى بنا الفجر، فقرأ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} و{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} ثمَّ رأى قوماً ينزلون فيُصلُّون في مسجد، فسأل عنهم، فقالوا: مسجدٌ صلَّى فيه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّما هلك مَن كان قبلكم أنَّهم اتَّخذوا آثارَ أنبيائِهم بِيَعاً، مَن مرَّ بشيءٍ من المساجد فحضرَت الصلاة فليُصلِّ، وإلاَّ فلْيَمضِ ))، رواه عبد الرزاق (2/118 ـ 119)، وأبو بكر بن أبي شيبة (2/376 ـ 377) بإسنادٍ صحيح.والجوابُ عن الدليل الثاني: أنَّ البقيَّةَ المذكورة في الآية لو صحَّ تفسيرُها بِما ذُكر، فإنَّه لا دلالة فيها على التعلُّق بالآثار؛ لأنَّ النَّهيَ عن التعلُّق بالآثار ثبت عن عمر، كما مرَّ آنفاً، وفيه: "إنَّما ص -34- هلك مَن كان قبلكم أنَّهم اتَّخذوا آثار أنبيائِهم بيَعاً"، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسُنَّتِي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تَمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ".والجواب عن الدليل الثالث: أنَّ الأحاديث الواردة في صحيح البخاري وغيره تدلُّ على تبرُّك الصحابة بعَرَق النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وفَضل وَضوئه وشعرِه، وغير ذلك مِمَّا مَسَّ جسدَه صلى الله عليه وسلم، وكلُّ ذلك ثابتٌ، وقد حصل للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.وأمَّا الآثار المكانيَّة، فقد مرَّ في أثر عمر رضي الله عنه ما يدلُّ على منع التعلُّق بها.ونَهيُ عمر رضي الله عنه عن التعلُّق بآثار النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المكانيَّة التي لَم يأتِ بها سُنَّةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنَّما كان لِما يُفضي إليه ذلك من الغلُوِّ والوقوع في المحذور. ص -35- ومِمَّا يُوضِّح ذلك أنَّ الكاتبَ ـ وقد افتُتِن بالآثار ـ أدَّاه افتتانُه بها إلى الإشادةِ بالبناء على القبور، وقد جاء تحريمه في السُّنَّة، وقد مرَّ ذكرُ إشادتِه بمشهد العيدروس بعَدَن، ووصفِه قبَّته بأنَّها مباركة.بل أدَّاه افتتانُه بالآثار أن عاب على مَن زعم نُصحَهم عدم محافظتهم على أثر مَبرَك ناقة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "كان هناك أثر (مبرك الناقة) ناقة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في مسجد (قباء) يوم قدومه مُهاجراً إلى المدينة في مكان نزل فيه قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}، فأزَلتُم هذا الأثر، وكنَّا نُشاهدُه حتى وقتٍ قريب!!".ويُقال للكاتب: مِن أين لكَ وجود مكان هذا المَبرك، وبقاؤه إلى هذا الزمان؟ ص -36- إنَّ ذلك لا يتأتَّى إلاَّ لو ثبت أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أحاطه بجدار، وتوارثه الخلفاءُ الرَّاشدون ومَن بعدهم إلى هذا الوقت، وأنَّى ذلك؟!!ومعلومٌ أنَّ خلافةَ عمر رضي الله عنه تزيدُ على عشر سنين، ومقرُّها المدينة، وهو الذي أمر بقطع الشجرة التي في الحديبية قُرب مكة، وهو الذي نهى عن تتبُّع آثار النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المكانيَّة التي لَم تأت بها سُنَّة، كما مرَّ في الأثر قريباً، فهل من المعقول أن يَمنَعَ عمرُ رضي الله عنه من آثار بعيدة عن المدينة ويُبْقِى على أثر مَبرك الناقة الذي زعمه الكاتب، وهو عنده في المدينة؟!!ولَم يقف الكاتبُ عند حدِّ الرَّغبة في المحافظة على الآثار المكانيَّة للرسول صلى الله عليه وسلم التي لَم يأت فيها سُنَّة، بل تعدَّاه إلى الرغبة في بقاءِ أثرٍ وُجد في عصرٍ متأخِّرٍ، فقال وهو يعِيبُ مَن زعم نُصحَهم: "وهدَمتُم بجوار بيتِ أبي أيُّوب ص -37- الأنصاري رضي الله عنه مكتبةَ شيخ الإسلام (عارف حكمت) المليئة بالكتب والمخطوطاتِ النَّفيسة، وكان طرازُ بنائها العثماني رائعاً ومُمَيَّزاً!! هدمتُم كلَّ ذلك في حين أنَّه بعيدٌ عن توسعةِ الحرَم، ولا علاقةَ له بها!!".وهذه نتيجة الشَّغَف بالآثار!وموقعُ المكتبة المُشار إليها بينه وبين الجدار الأمامي لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بضعةُ أمتار، وهو الآن ضمن ساحات المسجد.والكتب التي فيها، الاستفادةُ منها قائمةٌ؛ لأنَّ المكتبات الموجودة بالمدينة ـ ومنها هذه المكتبة ـ جُمعت في مكتبة واحدة قرب المسجد النبوي، وهي مكتبة الملك عبد العزيز.هذا ولَم يقِف الكاتبُ عند حدِّ العتب واللَّوم لِمَن زعم نصحَهم؛ لعدم المحافظة على الآثار ص -38- المكانية للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم التي لَم تأتِ به سُنَّة، بل تعدَّاه إلى وصفِهم بأنَّهم يكرهون النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم!ولا أدري هل شَعر الكاتبُ أو لَم يشعُر أنَّ مَن يكره الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم لا يكون مسلماً، بل يكون كافراً؟!وسبق للكاتب أنَّ مَن زعم نُصحَهم يتَّهمون المسلمين بالشرك، وأنَّهم يُكفِّرون الصوفيَّة قاطبة، وأنَّهم يُكفِّرون الأشاعرة، وذلك كذبٌ عليهم، وهم برآء منه، وهنا يصف مَن زعم نصحَهم ـ زوراً وبُهتاناً ـ بأنَّهم يكرهون النَّبيَّ، ولا شكَّ أنَّ ذلك كفرٌ، نعوذ بالله من الكفر والشرك والنفاق.ثمَّ مِمَّا ينبغي أن يُعلَم أنَّ الصحابةَ الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم ومن تبعهم بإحسانٍ لَم يكونوا يذهبون إلى الآثار المكانية التي لَم يأت بها سُنَّة، كمكان مولده صلى الله عليه وسلم، ومكان مَبْرَك الناقة ص -39- المزعوم، ولو كان خيراً لسبقوا إليه.فلَم يكونوا يحافظون على مثل هذه الآثار، وإنَّما كانوا يحافظون على آثارٍ أُخرى، وهي الآثارُ الشرعيَّةُ التي هي حديثُه صلى الله عليه وسلم المشتمل على أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، ويحافظون على فعل السُّنن وترك البدع ومحدثاتِ الأمور، ولقد أحسن مَن قال: دين النبي محمد أخبار نعم المطيَّةُ للفتى آثارُ لا ترغَبنَّ عن الحديث وأهلِه فالرأيُ ليْلٌ والحديثُ نهارُ ولَرُبَّما جهل الفتى أثرَالهُدى والشَّمسُ بازغَةٌ لَها أنوارُ وقال آخر: الفقهُ في الدين بالآثار مقترن فاشغَل زمانَك في فقهٍ وفي أثَرِ ص -40- فالشغل بالفقة والآثار مرتفع بقاصد الله فوق الشمسوالقمرِ ومقدِّمة الدكتور البوطي لأوراق الأستاذ الرفاعي تشتمل على الثناء على الرِّفاعي، وموافقته على كلِّ ما في نصيحتِه المزعومة المسمومة، وعلى وَصْفها بأنَّها (تذكرة هادئة، ولطيفة في أسلوبها!!).وتشتملُ على الغلوِّ في الآثار المكانيَّة التي لَم يأت بها سنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وزعم أنَّ القرون الثلاثة وما بعدها إلى هذا الوقت مُجمعةٌ على التبرُّك بهذه الآثار، وأنَّه لَم يُخالِف في ذلك إلاَّ علماء نجد المزعوم نُصحهم، وأنَّ ذلك بدعة.ومن قوله في ذلك: "ولا نشكُّ في أنَّهم يعلمون كما نعلم أنَّ عصورَ السلف الثلاثة مرَّت شاهدة بإجماع على تبرُّك أولئك السلف بالبقايا التي تذكِّرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، من دار ولادتِه، وبيت ص -41- خديجة رضي الله عنها، ودار أبي أيوب الأنصاري التي استقبلته فنزل فيها في أيامه الأولى من هجرتِه إلى المدينة المنورة، وغيرها من الآثار كبئر أَريس، وبئر ذي طوى، ودار الأرقم ثم إنَّ الأجيالَ التي جاءت فمرَّت على أعقاب ذلك كانت خيرَ حارسٍ لَها، وشاهد أمين على ذلك الإجماع"وتشتملُ أيضاً على اتِّهام المزعوم نُصحهم بـ "تكفير سواد هذه الأمة بحجَّة كونهم أشاعرة أو ماتريديين!"وتشتملُ أيضاً على الإنكار على علماء نجد في تحذيرِهم من الغلُوِّ في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُفرِّق بين الغُلُوِّ والإطراء، فيَمنعُ الإطراءَ ويُجيزُ الغلُوَّ، قال: "ولو قلتُم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاتطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم" لكان كلاماً مقبولاً، ولكان ذلك نصيحةً غاليةً. ص -42- أمَّا الحبُّ الذي هو تعلُّق القلب بالمحبوب على وجه الاستئناس بقُربِه والاستيحاش من بُعده، فلا يكون الغلوُّ فيه ـ عندما يكون المحبوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إلاَّ عنواناً على مزيدِ قُربٍ من الله!! وقد علمنا أنَّ الحبَّ في الله من مُستلزمات توحيد الله تعالى، ومهما غلا مُحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حُبِّه له أو بالَغ، فلن يصِل إلى أَبعد من القَدْر الذي أَمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم!!! إذ قال فيما اتَّفق عليه الشيخان: "لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من مالِه وولدِه والناس أجمعين"، وفي رواية للبخاري: "ومن نفسه" ".والجواب: على ذلك أن نقول:أولاً: أمَّا ثناء البوطي على الرفاعي فيصدق على المثنِي والمثنَى عليه قول الشاعر: ص -43- ذهب الرِّجال المُقتدَى بفعالِهم والمنكرون لكلِّ فعل منكرِ وبقيتُ في خَلْف يُزكِّي بعضُهم بعضاً ليدفع معور عن معور ثانياً: إنَّ وصفَ البوطي لنصيحة الرِّفاعيِّ المزعومة بـ (أنَّها تذكرة هادئة، وأنَّها لطيفة في أسلوبها!!) بعيدٌ عن الحقيقة والواقع؛ يتَّضحُ ذلك بالوقوف على بعض الجُمل التي أوردتُها من كلام الرِّفاعيِّ، ففيها الكذب والجفاء.ثالثاً: وأمَّا موافقتُه للرِّفاعي فيما جاء في أوراقه، فإنَّ كلَّ ما تقدَّم في الردِّ على الرِّفاعي هو ردٌّ على البوطي.رابعاً: وأمَّا إجماع العصور الثلاثة وما بعدها الذي زعمه البوطي على التبرُّك بآثار النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المكانيَّة، كمكان مولدِه وبئر أريس التي سقط فيها ص -44- خاتَمُه صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، فلا يتأتَّى له إثبات هذا الإجماع، بل ولا إثبات القول به عن واحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم!وأيُّ إجماعٍ يُزعمُ من الصحابة ومَن بعدهم على ذلك، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه الأمر بقطع شجرة بيعة الرضوان في الحديبية قرب مكة، وجاء عنه أيضاً التحذيرُ من التعلُّق بمثل هذه الآثار، وقال: "إنَّما هلك مَن كان قبلكم أنَّهم اتَّخذوا آثار أنبيائهم بِيَعاً"؟! كما مَرَّ ثبوت ذلك عنه في مصنَّفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة.خامساً: وأمَّا زعمه بأنَّه لَم يُخالف هذا الإجماعَ المزعوم إلاَّ علماءُ نجد، فغيرُ صحيح؛ لأنَّ كلَّ متَّبع للكتاب والسُّنَّة وما كان عليه سلف الأُمَّة يقول بهذا الذي ثبت عن عمر رضي الله عنه، وهم في هذا العصر كثيرون، منتشرون في الأقطار المختلفة، ومنها ص -45- الكويت والشام التي منها الرفاعي والبوطي!سادساً: وأمَّا زعمه أنَّ المزعومَ نُصحهم يُكفِّرون سوادَ الأُمَّة بحُجَّة كونهم أشاعرةً أو ماتريديِّين، فهو كذبٌ منه وافتراءٌ، كما أنَّه كذبٌ وافتراءٌ من الرفاعي، وقد مرَّ الردُّ عليه.وأزيد هنا فأقول: إنَّ الفِرَقَ الواردةَ في قوله صلى الله عليه وسلم: "ستفترِقُ هذه الأُمَّة إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلاَّ واحدة" الحديث، هم من المسلمين؛ لأنَّ أُمَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتان: أمَّة الدعوة، يدخل فيها اليهود والنصارى، وكلُّ إنسيٍّ وجِنِّي من حين بِعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة.وأمَّةُ الإجابة: وهم الذين دخلوا في هذا الدِّين، وفيهم الفِرق المذكورة في الحديث، وكلُّ هذه الفِرَق مسلمون مُستحقُّون للعذاب بالنَّار، سوى فرقةٍ واحدة، وهي مَن كان على ما كان عليه الرسول ص -46- صلى الله عليه وسلم وأصحابُه رضي الله عنهم.سابعاً: وأمَّا تفريقُه بين الإطراءِ والغُلُوِّ، ومَنعُه الأولَ وتجويزُه الثاني، فهو من التفريقِ بين متماثِلَين، وكما أنَّ النَّهيَ جاء عنه صلى الله عليه وسلم عن الإطراء، فإنَّ الغُلُوَّ جاء فيه النَّهيُ عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}، وقد لَقَطَ ابنُ عبَّاسٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصَى الجِمار، وهنَّ مثل حصى الخذف، فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يَرموا بمِثلِها، قال: "وإيَّاكم والغُلوَّ في الدِّين، فإنَّما أهلَكَ مَن كان قبلكم الغلُوُّ في الدِّين"، وهو حديث صحيح، أخرجه النسائيُّ وغيرُه.ومعلومٌ أنَّ مَحبَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يجبُ أن تكون في قلب كلِّ مسلم أعظمَ من مَحبَّته لنفسِه وأهله والناس أجمعين، لكن لا يجوز فيها الغُلُوُّ الذي قد ص -47- يُؤدِّي إلى أن يُصرَف إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شيءٌ من حقِّ الله، كالذي حصل للبوصيريِّ في أبياتِه التي أشرتُ إليها فيما تقدَّم في الردِّ على الرفاعي.وليت شعري! ما الذي سوَّغ للبوطيِّ تجويز الغلوِّ في محبَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي من أعظم أُسُس الدِّين، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدِّم آنفاً: "وإيَّاكم والغلو في الدِّين، فإنَّما أهلك مَن كان قبلكم الغلوُّ في الدِّين"؟!وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يهدي مَن ضلَّ من المسلمين سبل السلام، وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن يوفِّق المسلمين جميعاً للفقه في الدِّين والثبات على الحقِّ، إنَّه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول أنه يعمل مرشد سياحي قال له الشيخ ربيع المدخلي لا نعرف هذه السياحة !! الذين يحرصون على الآثار هم الخرافيون وقال طريقة النصارى في الاهتمام بالآثار

شخص يقول أنه يعمل مرشد سياحي
قال
له الشيخ ربيع المدخلي
لا نعرف هذه السياحة !!
و
قال
الذين يحرصون على الآثار هم الخرافيون
و
قال
طريقة النصارى في الاهتمام بالآثار

السؤال: شخص يقول أنه يعمل مرشد سياحي وله مرتب ثابت

وعند خروجه مع السياح يعطونه بعض المال فهل يجوز له أن يأخذه ؟


الـجــواب:
ماهي السياحة وما هي أهدافها ؟

لا نعرف هذه السياحة !!

يعني يأتي معه نساء سائحات عاريات مثلا

ويرشدهن إلى أماكن الرقص والتمثيليات !!

قال السائل : لعلها الآثار .

قال الشيخ ربيع : آثار البدع والحاجات ,

أيّ آثار ؟!

الذين يحرصون على الآثار هم الخرافيون ؛

آثار القبور والكهوف والناقة وإلى آخره
؛
الأمور التي لم يلتفت إليها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة أبدا

وما دعوا إليها وما فعلوها ولا أمروا بها

ولاشيء

ويعطوها هذه الهالة على طريقة النصارى في الاهتمام بالآثار
.
الصحابة من إيمانهم بالرسالة والتوحيد
,
يموت الصحابي ويدفن وانتهى
؛
نُسي خلاصْ نَسَوْهُ وراح للجنة عند ربه
,
هذا هو الإكرام ,
أين قبور الصحابة ؟
لو كانوا يحرصون على الآثار وفي الشريعة يحرصون على الآثار
كان ما شاء الله أبرزوا كل قبور الصحابة
.
لهذا يقول واحد صوفي لكنه صادق ما شاء الله في كتاب له في الحديث
اسمه الحوت أو كذا
أعجبني كلامه
قال
:
( إن معظم قبور الصحابة أو قبور الصحابة لا تعرف في البقيع)
الآن
تأتي عند الدلالين يقول لك هذا قبر فلان
و
هذا قبر فلان ,
من أين له ذلك ؟!
حتى الذين دفنوا في البقيع يعني كثير منها أو كلها لا تعرف
إلا قبر عثمان رضي الله عنه .

انتهى
المصدر
موقع الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
قسم
الفتاوى

http://www.rabee.net/show_fatwa.aspx?id=169

حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به للإمام ابن باز رحمه الله

حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرم الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني ، منحني الله وإياه الفقه في الدين ، وأعاذنا جميعا من طريق المغضوب عليهم والضالين آمين . سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد : فقد وصلني كتابكم وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق وجميع ما شرحتم كان معلوما .

وقد وقع في كتابكم أمور تحتاج إلى كشف وإيضاح ، وإزالة ما قد وقع لكم من الشبهة عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
الدين النصيحة وقوله صلى الله عليه وسلم : من دل على خير فله مثل أجر فاعله وغيرهما من الأحاديث الكثيرة في هذا الباب .

وقد أرشد إلى ذلك مولانا سبحانه في قوله عز وجل :
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وقوله سبحانه : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فأقول : ذكرتم في كتابكم ما نصه : (ومع احترامي وتقديري لجهودكم في هذا السبيل خطر ببالي بعض الملاحظات ، أحببت أن أبديها لكم راجيا أن يكون فيها خير الإسلام والمسلمين ، والاعتصام بحبل الله المتين في سبيل تقارب المسلمين ، ووحدة صفوفهم في مجال العقيدة والشريعة .


أولا : لاحظتكم تعبرون دائما عن بعض ما شاع بين المسلمين من التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ، وآله ، وبعض الأولياء كمسح الجدران ، والأبواب في الحرم النبوي الشريف وغيره شركا ، وعبادة لغير الله . وكذلك طلب الحاجات منه ومنهم ، ودعاؤهم وما إلى ذلك . إني أقول : هناك فرق بين ذلك ، فطلب الحاجات من النبي ومن الأولياء ، باعتبارهم يقضون الحاجات من دون الله أو مع الله ، فهذا شرك جلي لا شك فيه ، لكن الأعمال الشائعة بين المسلمين ، والتي لا ينهاهم عنها العلماء في شتى أنحاء العالم الإسلامي .

من غير فرق بين مذهب وآخر ، ليست هي في جوهرها طلبا للحاجات من النبي والأولياء ، ولا اتخاذهم أربابا من دون الله ، بل مرد ذلك كله - لو استثنينا عمل بعض الجهال من العوام - إلى أحد أمرين : التبرك والتوسل بالنبي وآثاره ، أو بغيره من المقربين إلى الله عز وجل.

أما التبرك بآثار النبي من غير طلب الحاجة منه ،

ولا دعائه فمنشأه الحب والشوق أكيد ، رجاء أن يعطيهم الله الخير بالتقرب إلى نبيه وإظهار المحبة له ، وكذلك بآثار غيره من المقربين عند الله .

وإني لا أجد مسلما يعتقد أن الباب والجدار يقضيان الحاجات ،

ولا أن النبي أو الولي يقضيها ، بل لا يرجو بذلك إلا الله ، إكراما لنبيه أو لأحد من أوليائه ، أن يفيض الله علمه من بركاته والتبرك بآثار النبي كما تعلمون ويعلمه كل من اطلع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان معمولا به في عهد النبي ، فكانوا يتبركون بماء وضوئه ، وثوبه وطعامه وشرابه وشعره ، وكل شيء منه ولم ينههم النبي عنه ، ولعلكم تقولون : أجل كان هذا ، وهو معمول به الآن بالنسبة إلى الأحياء من الأولياء والأتقياء لكنه خاص بالأحياء دون الأموات لعدم وجود دليل على جوازه إلا في حال الحياة بالذات فأقول : هناك بعض الآثار تدل على أن الصحابة قد تبركوا بآثار النبي بعد مماته ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يمسح منبر النبي تبركا به .
وهناك شواهد

على أنهم كانوا يحتفظون بشعر النبي ، كما كان الخلفاء العباسيون ومن بعدهم العثمانيون ، يحتفظون بثوب النبي تبركا به ولا سيما في الحروب ، ولم يمنعهم أحد من العلماء الكبار والفقهاء المعترف بفقههم ودينهم انتهى المقصود من كلامكم .

والجواب أن يقال :

ما ذكرتم فيه تفصيل : فأما التبرك بما مس جسده عليه الصلاة والسلام من وضوء أو عرق أو شعر ونحو ذلك ، فهذا أمر معروف وجائز عند الصحابة رضي الله عنهم ، وأتباعهم بإحسان لما في ذلك من الخير والبركة . وهذا أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه فأما التمسح بالأبواب والجدران والشبابيك ونحوها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي ، فبدعة لا أصل لها ، والواجب تركها لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أقره الشرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته . وفي رواية لمسلم ، وعلقها البخاري رحمه الله في صحيحه جازما بها : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه ، قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة :
أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة والأحاديث في ذلك كثيرة . فالواجب على المسلمين التقيد في ذلك بما شرعه الله كاستلام الحجر الأسود وتقبيله ، واستلام الركن اليماني .

ولهذا صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لما قبل الحجر الأسود : (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) . وبذلك يعلم أن استلام بقية أركان الكعبة ، وبقية الجدران والأعمدة غير مشروع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولم يرشد إليه ولأن ذلك من وسائل الشرك . وهكذا الجدران والأعمدة والشبابيك وجدران الحجرة النبوية من باب أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك ولم يرشد إليه ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم .

وأما ما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما من تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم واستلامه المنبر فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه لم يوافقه عليه أبوه ولا غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وهم أعلم منه بهذا الأمر ، وعلمهم موافق لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة .
وقد

قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم

في الحديبية

لما بلغه أن بعض الناس يذهبون إليها ويصلون عندها خوفا من الفتنة بها وسدا للذريعة

وأما دعاء الأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك

فهو الشرك الأكبر ،

وهو الذي كان يفعله كفار قريش مع أصنامهم وأوثانهم ، وهكذا بقية المشركين يقصدون بذلك أنها تشفع لهم عند الله ، وتقربهم إليه زلفى ، ولم يعتقدوا أنها هي التي تقضي حاجاتهم وتشفي مرضاهم وتنصرهم على عدوهم ، كما بين الله سبحانه ذلك عنهم في قوله سبحانه :
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ فرد عليهم سبحانه بقوله : قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وقال عز وجل في سورة الزمر : إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ فأبان سبحانه في هذه الآية الكريمة : أن الكفار لم يقصدوا من آلهتهم أنهم يشفون مرضاهم ، أو يقضون حوائجهم وإنما أرادوا منهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى ، فأكذبهم سبحانه ورد عليهم قولهم بقوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ فسماهم كذبة وكفارا بهذا الأمر فالواجب على مثلكم تدبر هذا المقام وإعطاءه ما يستحق من العناية ، ويدل على كفرهم أيضا بهذا الاعتقاد ، قوله سبحانه : وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ فسماهم في هذه الآية كفارا وحكم عليهم بذلك لمجرد الدعاء لغير الله من الأنبياء والملائكة والجن وغيرهم ويدل على ذلك أيضا قوله سبحانه في سورة فاطر : ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ فحكم سبحانه بهذه الآية على أن دعاء المشركين لغير الله ، من الأنبياء والأولياء ، أو الملائكة أو الجن ، أو الأصنام أو غير ذلك بأنه شرك ، والآيات في هذا المعنى لمن تدبر كتاب الله كثيرة .

وننقل لك هنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

في الفتاوى ص 157 ج 1 ما نصه :

( والمشركون الذين وصفهم الله ورسوله بالشرك أصلهم صنفان : قوم نوح ، وقوم إبراهيم . فقوم نوح كان أصل شركهم العكوف على قبور الصالحين ثم صوروا تماثيلهم ، ثم عبدوهم ، وقوم إبراهيم كان أصل شركهم عبادة الكواكب والشمس والقمر وكل من هؤلاء يعبدون الجن ، فإن الشياطين قد تخاطبهم ، وتعينهم على أشياء ، وقد يعتقدون أنهم يعبدون الملائكة ، وإن كانوا في الحقيقة إنما يعبدون الجن ، فإن الجن هم الذين يعينونهم ، ويرضون بشركهم قال الله تعالى :
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ


والملائكة لا تعينهم على الشرك لا في المحيا ولا في الممات ولا يرضون بذلك ،

ولكن الشياطين قد تعينهم وتتصور لهم في صور الآدميين ، فيرونهم بأعينهم ويقول أحدهم : أنا إبراهيم أنا المسيح ، أنا محمد أنا الخضر أنا أبو بكر أنا عمر ، أنا عثمان أنا علي أنا الشيخ فلان ، وقد يقول بعضهم عن بعض : هذا هو النبي فلان ، أو هذا هو الخضر ، ويكون أولئك كلهم جنا ، يشهد بعضهم لبعض ، والجن كالإنس فمنهم الكافر ، ومنهم الفاسق ، ومنهم العابد الجاهل ، فمنهم من يحب شيخا فيتزيا في صورته ويقول : أنا فلان ، ويكون ذلك في برية ومكان قفر ، فيطعم ذلك الشخص طعاما ويسقيه شرابا ، أو يدله على الطريق ، أو يخبره ببعض الأمور الواقعة الغائبة ، فيظن ذلك الرجل أن نفس الشيخ الميت أو الحي فعل ذلك وقد يقول : هذا سر الشيخ وهذه رقيقته ، وهذه حقيقته ، أو هذا ملك جاء على صورته ، وإنما يكون ذلك جنيا ، فإن الملائكة لا تعين على الشرك والإفك ، والإثم والعدوان . وقد قال الله تعالى :
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا قال طائفة من السلف ، كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء وعزير والمسيح ، فبين الله تعالى أن الملائكة والأنبياء عباد الله كما أن الذين يعبدونهم عباد الله ، وبين أنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ويتقربون إليه كما يفعل سائر عباده الصالحين والمشركون من هؤلاء قد يقولون : إنا نستشفع بهم ، أي نطلب من الملائكة والأنبياء أن يشفعوا فإذا أتينا قبر أحدهم طلبنا منه أن يشفع لنا فإذا صورنا تمثاله - والتماثيل إما مجسدة وإما تماثيل مصورة كما يصورها النصارى في كنائسهم - قالوا : فمقصودنا بهذه التماثيل تذكر أصحابها وسيرهم ونحن نخاطب هذه التماثيل ومقصودنا خطاب أصحابها ليشفعوا لنا إلى الله فيقول أحدهم : يا سيدي فلان ، أو يا سيدي جرجس أو بطرس ، أو يا ستي الحنونة مريم أو يا سيدي الخليل أو موسى بن عمران أو غير ذلك اشفع لنا إلى ربك .


وقد يخاطبون الميت عند قبره : سل لي ربك ، أو يخاطبون الحي وهو غائب كما يخاطبونه لو كان حاضرا حيا وينشدون قصائد يقول أحدهم فيها : يا سيدي فلان أنا في حسبك أنا في جوارك اشفع لي إلى الله ، سل الله لنا أن ينصرنا على عدونا ، سل الله أن يكشف عنا هذه الشدة أشكو إليك كذا وكذا ، فسل الله أن يكشف هذه الكربة أو يقول أحدهم : سل الله أن يغفر لي ومنهم من يتأول قوله تعالى :
وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ويقولون : إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة .

ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وسائر المسلمين ، فإن أحدا منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ، ولا سأله شيئا ، ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم إنما ذكر ذلك من ذكره من متأخري الفقهاء ، وحكوا حكاية مكذوبة على مالك رضي الله عنه ، سيأتي ذكرها ، وبسط الكلام عليها إن شاء الله تعالى .

فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وفي مغيبهم ،

وخطاب تماثيلهم ، هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين ، من غير أهل الكتاب ، وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات ما لم يأذن به الله تعالى قال تعالى :
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ إلى آخر ما ذكره رحمه الله في رسالته الجليلة المسماة القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة) قد أوضح فيها أنواع الشرك فراجعها إن شئت .

وقال أيضا - رحمه الله - في رسالته إلى اتباع الشيخ عدي بن مسافر ص 31

ما نصه :

(فصل : وكذلك الغلو في بعض المشايخ إما في الشيخ عدي ، ويونس القني أو الحلاج وغيرهم ، بل الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونحوهم ، بل الغلو في المسيح عليه السلام ونحوه فكل من غلا في حي أو في رجل صالح كمثل علي رضي الله عنه أو عدي أو نحوه ، أو في من يعتقد فيه الصلاح كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر أو يونس القني ونحوهم . وجعل فيه نوعا من الألوهية مثل أن يقول : كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده ، أو يقول إذا ذبح شاة باسم سيدي . أو يعبده بالسجود له أو لغيره أو يدعوه من دون الله تعالى مثل أن يقول : يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك أو أنت حسبي أو أنا حسبك أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى ، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل . فإن الله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لنعبد الله وحده لا شريك له ولا نجعل مع الله إلها آخر .

والذين كانوا يدعون مع الله آلهة أخرى مثل الشمس والقمر والكواكب وعزير والمسيح والملائكة واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ويغوث ويعوق ونسرا ، وغير ذلك لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو أنها تنزل المطر أو أنها تنبت النبات إنما كانوا يعبدون الأنبياء والملائكة والكواكب والجن والتماثيل المصورة لهؤلاء ، أو يعبدون قبورهم ، ويقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى . ويقولون هم شفعاؤنا عند الله ، فأرسل الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة .

قال تعالى :
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا

قال طائفة من السلف :
كان أقوام يدعون المسيح وعزيرا والملائكة فقال الله لهم : هؤلاء الذين تدعونهم يتقربون إلي كما تتقربون ، ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي ، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي . وقال تعالى :
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ فأخبر سبحانه أن ما يدعى من دون الله ليس له مثقال ذرة في الملك ولا شريك في الملك وأنه ليس له في الخلق عون يستعين به وأنه لا تنفع الشفاعة عنده إلا بإذنه . . ) . إلى أن قال رحمه الله : (وعبادة الله وحده هي أصل الدين ، وهو التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب ، فقال تعالى : وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ وقال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وقال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق التوحيد ويعلمه أمته حتى قال له رجل : ما شاء الله وشئت . فقال :
أجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده وقال : لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم ما شاء محمد ونهى عن الحلف بغير الله تعالى فقال : من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت وقال : من حلف بغير الله فقد أشرك وقال : لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم وإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله ولهذا اتفق العلماء على أنه ليس لأحد أن يحلف بمخلوق كالكعبة ونحوها .

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السجود له ، ولما سجد بعض أصحابه له نهى عن ذلك وقال : لا يصلح السجود إلا لله وقال :
لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها وقال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : أرأيت لو مررت بقبري أكنت ساجدا له قال لا قال فلا تفعلوا ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد وقال في مرض موته : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد إلى أن قال رحمه الله : (ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء المساجد على القبور ولا تشرع الصلاة عند القبور ، بل كثير من العلماء يقول الصلاة عندها باطلة . . . . ) .

إلى أن قال رحمه الله تعالى : (وذلك أن من أكبر أسباب عبادة الأوثان كانت تعظيم القبور بالعبادة ونحوها ، قال الله تعالى في كتابه :
وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا قال طائفة من السلف : كانت هذه الأسماء لقوم صالحين فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم وعبدوها .

ولهذا اتفق العلماء على أن من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أنه لا يتمسح بحجرته ولا يقبلها) انتهى المقصود من كلامه رحمه الله .
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي ص 156 ما نصه : (فصل : ويتبع هذا الشرك به سبحانه في الأفعال والأقوال والإرادات والنيات فالشرك في الأفعال كالسجود لغيره والطواف بغير بيته وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض وتقبيل القبور واستلامها والسجود لها ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلي لله فيها ، فكيف بمن اتخذ القبور أوثانا يعبدها من دون الله .

ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :

لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد

وفي الصحيح عنه :
إن من أشرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد وفي الصحيح أيضا عنه : إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك
وفي مسند الإمام أحمد رضي الله عنه ،

وصحيح ابن حبان عنه أنه قال :
لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج وقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقال : إن من كان قبلكم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور وأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة فهذا حال من سجد لله في مسجد على قبر فكيف حال من سجد للقبر نفسه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد انتهى كلامه رحمه الله .

وبما ذكرنا في صدر هذا الجواب ،

وبما نقلناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ،
وتلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله يتضح لكم

ولغيركم من القراء أن ما يفعله الجهال من الشيعة وغيرهم عند القبور من دعاء أهلها والاستغاثة بهم والنذر لهم والسجود لهم وتقبيل القبور طلبا لشفاعتهم أو نفعهم لمن قبلها . كل ذلك من الشرك الأكبر لكونه عبادة لهم والعبادة حق لله وحده كما قال الله سبحانه :
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وقال سبحانه : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ الآية . وقال عز وجل : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ إلى غير ذلك من الآيات التي سبق بعضها .

أما تقبيل الجدران ، أو الشبابيك أو غيرها ،

واعتقاد أن ذلك عبادة لله ،

لا من أجل التقرب بذلك إلى المخلوق .

فإن ذلك يسمى بدعة لكونه تقربا لم يشرعه الله

فدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم :

من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي قوله صلى الله عليه وسلم : إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
وأما تقبيل الحجر الأسود

، واستلامه واستلام الركن اليماني فكل ذلك عبادة لله وحده واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لكونه فعل ذلك في حجة الوداع وقال :
خذوا عني مناسككم وقد قال الله عز وجل : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الآية


وأما التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وعرقه ووضوئه ، فلا حرج في ذلك كما تقدم لأنه عليه الصلاة والسلام أقر الصحابة عليه ولما جعل الله فيه من البركة ، وهب من الله سبحانه ، وهكذا ما جعل الله في ماء زمزم من البركة حيث قال علي عن زمزم : إنها مباركة وإنها طعام طعم وشفاء سقم
والواجب على المسلمين الاتباع والتقيد بالشرع ،

والحذر من البدع القولية والعملية ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم بشعر الصديق رضي الله عنه ، أو عرقه أو وضوئه ولا بشعر عمر أو عثمان أو علي أو عرقهم أو وضوئهم . ولا بعرق غيرهم من الصحابة وشعره ووضوئه لعلمهم بأن هذا أمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقال عليه غيره في ذلك ، وقد قال الله عز وجل :
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

وقال كثير من الصحابة رضي الله عنهم : اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم .


وأما توسل عمر رضي الله عنه والصحابة بدعاء العباس في الاستسقاء ،

وهكذا توسل معاوية رضي الله عنه في الاستسقاء بدعاء يزيد بن الأسود ، فذلك لا بأس به لأنه توسل بدعائهما وشفاعتهما ولا حرج في ذلك .
ولهذا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه : ادع الله لي ، وذلك دليل من عمل عمر والصحابة رضي الله عنهم ومعاوية رضي الله عنه على أنه لا يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ولا غيره بعد وفاته ، ولو كان ذلك جائزا لما عدل عمر الفاروق والصحابة رضي الله عنهم عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بدعاء العباس ولما عدل معاوية رضي الله عنه عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بيزيد بن الأسود ، وهذا شيء واضح بحمد الله .


وإنما يكون التوسل بالإيمان به صلى الله عليه وسلم ومحبته والسير على منهاجه وتحكيم شريعته وطاعة أوامره ، وترك نواهيه ، هذا هو التوسل الشرعي به صلى الله عليه وسلم بإجماع أهل السنة والجماعة وهو المراد بقول الله سبحانه :
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وبما ذكرنا يعلم أن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بذاته من البدع التي أحدثها الناس ولو كان ذلك خيرا لسبقنا إليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم أعلم الناس بدينه وبحقه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم .


وأمأ توسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم في رد بصره إليه فذلك توسل بدعائه وشفاعته حال حياته صلى الله عليه وسلم ولهذا شفع له النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له . والله المسئول بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحني وإياكم وسائر إخواننا الفقه في دينه والثبات عليه وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم ، وأن يوفق جميع حكام المسلمين للفقه في الدين والحكم بشريعة الله سبحانه والتحاكم إليها وإلزام الشعوب بها والحذر مما يخالفها عملا بقول الله عز وجل :
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وبقوله سبحانه : أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء

نشرت في جريدة المسلمون

ونشرت أيضا في جريدة النور المغربية في 20/7/1416 هـ عدد 375.

حكم زيارة آثار الصالحين كتبه الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن السعد جزاه الله خيراً

حكم زيارة آثار الصالحين كتبه الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن السعد جزاه الله خيراً

قام بنسخه على برنامج الوورد ونشره على شبكة الانترنت
أبو معاذ السلفي (السني الحضرمي)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
فإن الشارع الحكيم سد جميع طرق الشرك، وحرّم وسائله، وأغلق أبوابه، تحقيقاً للتوحيد وحماية لجنابه، قال الله تعالى:}قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ{ ]سـبأ:22-23[ .

##@##

قال
أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي
تعليقاً على هذه الآية
:(
وقد قطع الله الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعها، قطعاً يعلم من تأمله وعرفه أن من اتخذ من دون الله ولياً فمثله كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت،

فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن يكون فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريد عابده منه، فإن لم يكن مالكاً كان شريكاً للمالك، فإن يكن شريكاً له، كان معيناً له وظهيراً، فإن لم يكن معيناً ولا ظهيراً كان شفيعاً عنده، فنفى سبحانه المراتب الأربع نفياً مرتباً متنقلاً من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك وهي الشفاعة بإذنه...) اهـ
و
من وسائل الشرك
التي سدها الشارع
تتبع
(1) آثار الصالحين وتقديسها
،
بالصلاة فيها، والدعاء عندها، والتمسح بها
.
فقد حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
من هذا الفعل غاية التحذير، وأنكر على من فعل هذا أشد الإنكار.
فقد أخرج البخاري (427) ومسلم (528) كلاهما من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير
فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم ،
فقال
:
«أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات،
بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور
،
فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة»
.
و
أخرج البخاري (437) ومسلم (530) كلاهما
من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال
:
« قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »
.
واتخاذها مساجد يكون بالصلاة عندها،
أو بناء المساجد عليها،
فهذا فيمن فعل هذا بقبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكون من شرار الخلق،
ويكون ممن لعنه الله ــ والعياذ بالله ــ
فكيف فيمن فعل هذا مع غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟!
فلا شك أن الأمر سيكون أعظم وأشد
.
و
أخرج مسلم (532) من طريق عمرو بن مرة عن عبدالله بن الحارث النجراني ثني جندب
قال
:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس
وهو يقول
:
« إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل
فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً،
ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً،
ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد،
ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك ».
في هذا الحديث حذر عليه الصلاة والسلام من هذا الفعل قبل موته بخمسة أيام، بل وحذر منه عليه الصلاة والسلام وهو في سياق الموت
،
كما
أخرج البخاري (435) و(436) ومسلم (531) كلاهما
من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أن عائشة وعبد الله بن عباس
قالا
:
لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم
طفق يطرح خميصة له على وجهه،
فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه،
فقال وهو كذلك
:
« لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »
يحذر ما صنعوا
.
و
قد سار على هذا المنهج القويم والمسلك المستقيم خلفاؤه من بعده
صلى الله عليه وسلم
فقد أخرج ابن وضاح في «البدع» (ص41)
من حديث الأعمش عن المعرور بن سويد
قال
:
خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب
فعرض لنا في بعض الطريق مسجد
فابتدره الناس يصلون فيه،
فقال عمر
:
ما شأنهم؟
فقالوا
:
هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
،
فقال عمر
:
أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا
حتى أحدثوها بيعاً
،
فمن عرضت له فيه صلاة فليصل،
ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض
(2)
.
و
في رواية أخرى أخرجها ابن وضاح (ص41):
أنه
رضي الله عنه
عندما صلى الغداة رأى الناس يذهبون مذهباً،
فقال
:
أين يذهب هؤلاء؟
قيل:
يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
هم يأتون يصلون فيه
.
فقال
:
إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا
،
يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعاً،
من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل،
ومن لا فليمض ولا يتعمدها
.
فقد أنكر أمير المؤمنين عمررضي الله عنه
هذا الفعل
وهو التبرك بالأماكن التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبين
أن بهذا الفعل هلكت الأمم السابقة
.
و
قد أمر عمر رضي الله عنه
بقطع
(3) الشجرة التي زُعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم
بايع تحتها الناس
،
مع أن الله تعالى أنسى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
مكان هذه الشجرة التي بايعوا عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم
رحمة بهم وبمن أتى من بعدهم.
فقد أخرج البخاري (2958) في «صحيحه»
من حديث نافع عن ابن عمر
قال
: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها كانت رحمة من الله
.
و
أخرج البخاري (4163) ومسلم (1859) من حديث سعيد بن المسيب
قال
:
قال: ثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
تحت الشجرة
.
قال
:
فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها
.
فقال سعيد
:
إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم.
قال أبو الفضل ابن حجر في «الفتح» (6/118)
تعليقاً على هذا الحديث
:
وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان
لما وقع تحتها من الخير
فلو بقيت لما أُمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر
كما نراه الآن مشاهداً فيما هو دونها
وإلى ذلك أشار ابن عمر
بقوله
:
«كانت رحمة من الله»
أي
كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة الله تعالى.
اهـ
.
قلت
:
ومع ما تقدم من كون الصحابة أنسوا مكانها ولم يعرفوه
حتى جاء من بعدهم من زعم أنه يعرف مكانها
كما وقع ذلك في عهد عمر رضي الله عنه
فعند إذن أمر عمر رضي الله عنه
بقطع هذه الشجرة التي يزعم أنها بويع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ثم بعد عهد عمر جاء من يزعم معرفته بهذه الشجرة
،
فقد أخرج البخاري (4163) في «صحيحه» من حديث طارق بن عبدالرحمن قال
:
انطلقت حاجاً فمررت بقوم يصلون، قلت: ما هذا المسجد؟
قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيعة الرضوان
.
قلت
:
وهذا بعد عهد عمر لأن طارق بن عبدالرحمن من صغار التابعين
ومن كان مثله لم يدرك عهد عمر رضي الله عنه
،
وإنما ولدوا بعد عهد عمر رضي الله عنه
.
و
قد سار السلف الصالح على هذا النهج
،
فقد كانوا لا يأتون إلى مثل هذه الأماكن،
بل وينكرون على من فعلها
.
قال أبو عبدالله بن وضاح القرطبي في كتابه «البدع» (ص43):
و
كان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة
يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم
ما عدا قبا وأحداً
.
قال ابن وضاح
:
وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه
،
ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها
،
وكذلك فعل غيره أيضاً ممن يقتدى به
،
وقدم وكيع أيضاً مسجد بيت المقدس فلم يَعْدُ فعلَ سفيان.
قال ابن وضاح
:
فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين،
فقد قال بعض من مضى
:
كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكراً عند من مضى، ومتحبب إليه بما يبغضه عليه،
ومتقرب إليه بما يبعده منه،
وكل بدعة عليها زينة وبهجة.
اهـ
.

و
هذا الذي ذكره ابن وضاح أمر معلوم وظاهر
،
ولذلك قال أبو العباس أحمد بن عبدالحليم:
وهذا مما علم بالتواتر والضرورة من دين الرسول صلى الله عليه وسلم
،
فإنه أمر بعمارة المساجد والصلاة فيها،
ولم يأمر ببناء مشهد لا على قبر نبي ولا غير قبر نبي،
ولا على مقام نبي، ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم في بلاد الإسلام
ــ
لا الحجاز ولا الشام ولا اليمن ولا العراق ولا خرسان ولا مصر ولا المغرب ــ
مسجد مبني على قبر،
ولا مشهد يقصد للزيارة أصلاً،
ولم يكن أحد من السلف يأتي إلى قبر نبي أو غير نبي لأجل الدعاء عنده ،
ولا كان الصحابة يقصدون الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم

ولا
عند قبر غيره من الأنبياء،
وإنما كانوا يصلون ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم
و
على صاحبيه. اهـ «اقتضاء الصراط» (ص753)
.
فتبين مما تقدم
أن
تتبع آثار الأولياء والصالحين المكانية من البدع الشيطانية،
ومن طريقة اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الجاهلية
.
و
قد أخرج معمر في «جامعه» ـ المطبوع مع «مصنف عبدالرزاق» (20763) ـ عن الزهري عن سنان بن أبي سنان الديلي
عن أبي واقد الليثي
قال
:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل حنين، فمررنا بسدرة،
فقلنا: أي رسول الله، اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط ــ
وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها ــ
فقال النبي صلى الله عليه وسلم
:
« الله أكبر، هذه كما قالت بنو إسرائيل لموسى
:}
اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ{ ]الاعراف:138[
إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم »
.
و
أخرجه ابن إسحاق في «السيرة» ـ كما في «سيرة ابن هشام»ـ (4/70) وأبو داود الطيالسي (1346) والحميدي (848) وأحمد (5/218) والترمذي (2180) وغيرهم من طريق الزهري به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
و
أخرج البخاري في «صحيحه» (4859)
من طريق أبو الأشهب عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما
ـ في قوله تعالى: }اللَّاتَ وَالْعُزَّى { ]النجم:19[ ـ

قال
:
كان اللات رجلاً يلت سويق الحجاج.
وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «الفتح» (8/612) من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء به، ولفظه: كان يلت السويق على الحجر فما يشرب منه أحد إلا سمن، فعبدوه
.
فهذا الفعل وهو العكوف عند قبور الأولياء والصالحين والتبرك بالأحجار والأشجار طريقة أهل الجاهلية،
ومن تشبه بقوم فهو منهم
.
قال أبو بكر الطرطوشي في كتابه «الحوادث والبدع» (ص38) ـ بعد أن ذكر حديث أبي واقد الليثي السابق ـ
:
فانظروا رحمكم الله أيضاً أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس
،
ويعظمون من شأنها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها،
وينوطون به المسامير والخرق، فهي ذات أنواط فاقطعوها. اهـ
.
و
قال عبدالرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتابه
«الباعث على إنكار البدع والحوادث» (ص24):
ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبيناني رحمه الله تعالى
ـ أحد الصالحين ببلاد أفريقية في المائة الرابعة ـ
، حكى عنه صاحبه الصالح أبو عبدالله محمد بن أبي العباس المؤدب أنه كان إلى جانبه عين تسمى:
عين العافية، كانت العامة قد افتتنوا بها، يأتونها من الآفاق، من تعذر عليها نكاح أو ولد،
قالت
:
امضوا بي إلى العافية فتعرف بها الفتنة
،
قال أبو عبدالله
:
فإنا في السحر ذات ليلة إذ سمعت أذان أبي إسحاق نحوها
فخرجت فوجدته قد هدمها
،
وأذن الصبح عليها
،
ثم قال
:
اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأساً
.
قال: فما رفع لها رأس إلى الآن. اهـ
.
قلت
:
ومع الأسف وقع كثير ممن يتنسب إلى دين الإسلام
بما حذر منه الرسول عليه الصلاة والسلام
فتراهم يقصدون هذه الآثار
،
كالذهاب إلى غار حراء مع أن الرسول
إنما كان يتعبد فيه قبل البعثة
،
وأما بعدها فلم يأت إليه ولا دعى أمته إلى الذهاب إليه
،
ومع ذلك تجد كثيراً من الجهال يذهبون إليه
.
ومن ذلك
المكان الذي يُزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد فيه
ـ ومع أن هذا لم يثبت ـ
فهل الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد أمته إلى الإتيان إلى هذا المكان
،
أو فعل ذلك أحد من الصحابة صلى الله عليه وسلم
أو
السلف الصالح؟!
وإنما أحْدَثَ هذا من ضل سواء السبيل
،
وخالف الحق المبين
.
بل وصل الأمر إلى الإتيان إلى مكان
يُزعم أن آمنة بنت وهب أم الرسول صلى الله عليه وسلم دفنت فيه
،
فُيفعل في هذا المكان من الشركيات والقبائح ما الله به عليم
،
من دعاء آمنة بنت وهب من دون الله تعالى
،
والاستغاثة بها،
وصب الطيب في هذا المكان المزعوم أنه قبر آمنة بنت وهب
مع أنها ماتت على الشرك
،
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما استأذن ربه أن يستغفر لها
لم يأذن له
،
كما أخرجه مسلم في «صحيحه» (976) من حديث أبي حازم
عن أبي هريرة
قال
:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره
.
وقد قال الله تعالى
:}
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ{ ]التوبة:113[
.
قال النووي في «شرح مسلم» (7/45)
على الحديث السابق
:
وفيه النهي عن الاستغفار للكفار.
اهـ
.
و
قال أيضاً
على الحديث الذي أخرجه مسلم
من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس:
أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال:« في النار »
فلما قفّى دعاءه
فقال

:
«إن أبي وأباك في النار».
قال
النووي على هذا الحديث (3/79):
فيه أن من مات على الكفر فهو في النار
ولا تنفعه قرابة المقربين
،
وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان
فهو من أهل النار
،
وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة
،
فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم. اهـ
.
وقد حكى القرافي في «شرح التنقيح» الإجماع على تعذيب موتى الجاهلية في النار وعلى كفرهم.
و
من أجل انتشار هذا الأمر بين الناس
،
وشيوع هذه القضية بين من ينتسب إلى الإسلام
،
جرى تحرير هذه الرسالة
،
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين.

وكتب
عبدالله بن عبدالرحمن آل سعد

3/3/1422هـ


(1) وأما الأماكن التي قصدها عليه الصلاة والسلام بالعبادة ودعى أمته إلى قصدها والصلاة فيها فلا شك أن قصدها بالعبادة أمر مطلوب والإتيان إليها أمر مشروع وهو إما واجب أو مستحب، مع شد الرحل ــ كما هو بالنسبة إلى المساجد الثلاثة دون غيرها وهي المسجد الحرام ومسجد الرسول r ومسجد بيت المقدس ــ أو بدون شد رحل كالإتيان إلى مسجد
قباء. فليس حديثي عن هذا وإنما حديثي عن الإتيان إلى الأماكن التي لم يقصدها عليه الصلاة والسلام ولم يدع أمته إلى الذهاب إليها كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيان ذلك وبالله تعالى التوفيق.
(2): وأخرجه عبدالرزاق (2734) وابن أبي شيبة (2/376) وسعيد بن منصور في سننه كما في «اقتضاء الصراط المستقيم».(2/744) كلهم من طريق الأعمش به وهو صحيح، حكم أبو الفضل ابن حجر بثبوت هذا الأثر كما في «الفتح» (1/569).
(3): أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (2/100) وابن وضاح في «البدع» (ص42)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (2/375).

قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقنضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الحجيم "

@@
قال ابن تيمية رحمه الله
في كتابه اقنضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الحجيم
:
"

وفي حديث جابر عن المبي صلى الله عليه وسلم :" لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، الا أن تكزنزا باكين ،فإن لم تكزنوا باكين فلا تدخلوها عليهم ، أن يصيبكم ما أصابكم "[رواه البخاري 3278]
" ... ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم هن الدخول إلى أماكن المعذبين إلا مع البكاء وخشية أن يصيب الداخل ما أصابهم "
##@##
قال ابن عثيمين رحمه الله في التعليق :
الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك لئلا يركن الناس الى النزول فيها، والنزول في هذه الأرض محرم ، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يدخلها الإنسان إلا باكيا ، وقال :" فإن لم تكزنوا باكين فلا تدخلوها " .
زمع الأسف الشديد الآن ، فأن أصحاب الآثار يفخرون بها ويذهبون إليها ، ويقولون ما شاء الله ، انظروا قوتهم ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوها " فإن لم تستشعر البكاء فلا تدخلها أصلا.
التعليقات على اقتضاء الصراط المستقيم لإبن عثيمين رحمهم الله